لم يستوعب المرحوم أبي الخبر الذي تناقله البعض من أن الشيخ الرئيس قد مات. هكذا أخبرني ذات مرة قبل أن يمضي ليقص علي الطريقة التي كانوا يرحبون بها بالشيخ الرئيس حين ينزل إلى قنا.
كانوا يستقبلونه استقبال الفاتحين.
أدركت لاحقا أن الشيخ الرئيس كان أهلا لهذا الاستقبال، فلقد حقق الرجل الأمي إنجازا تعجز أجيال كاملة عن تحقيقه.
في السنوات اللاحقة، سيطرت علي سيرة الشيخ الرئيس. بت أتلهف سماع أي شاردة أو واردة عنه. كيف كان وكيف أصبح.
أخبرني البعض من كرام البلدة، كيف كان حضور الرجل. “كان يقعد زي الصقر، متسمعش ولا نفس، بس أمم قاعدة”. هذه كلمات ترن في أذني كلمات تذكرت الشيخ الرئيس، قالها لي أحد الراحلين وقد جاهدت من أجل حفظها، لكن أحيانا يتسرب إلي الشك في أنها قيلت بهذا الترتيب.
حين توفرت لي أشرطته وسمعت صوته وهو يروي “سيرة عرب أقدمين” انخلع القلب حين سمعته يرتجل. أصبحت أكرر هذا الجملة في سري وعلني: فلما فرغ … من كلامه وتم معني نظامه.
حين قابلته في منامي، نظر إلي في غرابة، عرفته بأنني ابن رجل جلس يستمع إليه مرارا. لم أطل في حديثي فانا في حضرة الشيخ الرئيس. لم أنس التأكيد على: إحنا ولادك يا عم الشيخ. تأملني طويلا وأنشد:
أنا جابر أبو حسين… على كتفي واضع العباية
مخلفتش ولد زين… يقول خلي عنك يا بايا